فصل: فتح المدائن وجلولاء بعدها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  فتح المدائن وجلولاء بعدها

ولما انهزم أهل فارس بالقادسية انتهوا إلى بابل وهديل وفيهم بقايا الرؤساء النَّخِيزَجَاَنُ ومَهرانَ الأهوازي والهرموان وأشباههم واستعملوا عليهم الفيرزان‏.‏ وأقام سعد بعد الفتح شهرين وسار بأمر عمر إلى المدائن وخلَّف العيال بالعتيق في جند كثيف حامية لهم وقدم بين يديه زهرة بن حياة وشرحبيل بن الصمت وعبد اللّه بن المُعْتَمِر ولقيهم بعض عساكر الفرس فهزموهم حتى لحقوا ببابل‏.‏ ثم جاء سعد وسار في التبيعة ونزلوا على الفيرزان ومن معه ببابل فخرجوا وقاتلوا المسلمين فانهزموا وافترقوا فرقتين‏.‏ ولحق الهرمزان بالأهواز والفيرزان بنهاوند وبها كنوز كسرى‏.‏ وسار النخيزَجان ومهران إِلى المدائن فتحصنوا وقطعوا الجسر‏.‏ ثم سار سعد من بابل على التعبية وزهرة في المقدمة‏.‏ وقدم بين يديه بكير بن عبد الله الليثيّ وكُثَير بن شهاب السبيعي حتى عبرا ولحقا بأخريات القوم فقتلا في طريقهما أسوارين من أساورتهم ثم تقدموا إِلى كوثي وعليها شهريار فخرج لقتالهم فقتل وانهزم أصحابه فافترقوا في البلاد وجاء سعد فنفل قاتله سلبه‏.‏ وتقدم زهرة إلى ساباط فصالحه أهلها على الجزية وهزم كتيبة كسرى ثم نزلوا جميعاً على بهرشير من المدائن ولما عاينوا الإيوان كبّروا وقالوا‏:‏ هذا أبيض كسرى هذا ما وعد الله‏.‏ وكان نزولهم عليها ذا الحجة سنة خمس عشرة‏.‏ فحاصروها ثلاثة أشهر ثم اقتحموها وكانت خيولهم تغير على النواحي وعهد إليهم عمر أن من أجاب من الفلاحين ولم يعن عليهم فذلك أمانه ومن هرب فأدْرِك فشأنكم به ودخل الدهاقين من غربي دجلة وأهل السواد كلهم في أمان المسلمين واغتبطوا بملكهم واشتد الحصار على بهرشير ونصبوا عليها المجانيق واستلحموهم في المواطن وخرج بعض المرازبة يطلب البراز فقاتله زهرة بن حيوة فقتلا معاً‏.‏ ويقال‏:‏ إِنّ زهرة قتله شبيب الخارجي أيام الحجاج‏.‏ ولما ضاق بهم الحصار وركب إليهم الناس بعض الأيام فلم يروا على الأسوار أحداً إلا رجلأ يشير إليهم فقال‏:‏ ما بقي بالمدينة أحد وقد صاروا إِلى المدينة القصوى التي فيها الإيوان‏.‏ فدخل سعد والمسلمون وأرادوا العبور إِليهم فوجدوهم جمعوا المعابر عندهم فأقام أياماً من صبر ودلّه بعض العلوج على مخاضة في دجلة فتردد فقال له‏:‏ أقدم فلا تأتي عليك ثلاثة إِلا ويزدجرد قد ذهب بكل شيء فيها‏.‏ فعزم سعد على العبور وخطب الناس وندبهم إلى العبور ورغّبهم وندب من يجيز أن لا يجيء الفِراضَ حتى يجيز إليه الناس‏.‏ فانتدب عاصم بن عمرو في ستمائة واقتحموا دجلة فلقيهم أمثالهم من الفرس عند الفراض وشدوا عليهم فانهزموا وقتل أكثرهم وعوّروا من الطعن في العيون‏.‏ وعاينهم المسلمون على الفراض فاقتحموا في أثرهم يصيحون‏:‏ نستعين باللّه ونتوكل عليه حسبنا اللّه ونعم الوكيل ولا حول ولا قوَة إِلا بالله العلي العظيم‏.‏ وساروا في دجلة وقد طبقوا ما بين عَدْوَتَيْها وخيلهم سابحة بهم وهم يهيمنون تارة ويتحادثون أخرى حتى أجازوا البحر ولم يفقدوا شيئاً إِلا قدحاً لبعضهم غلبت صاحبه جرية الماء وألقته الريح إلى الشاطىء‏.‏ ورأى الفرس عساكر المسلمين قد أجازوا البحر فخرجوا هاربين إلى حُلوان‏.‏ وكان يزدجرد قدَّم إليها قبل ذلك عياله ورفعوا ما قدروا عليه من عرض المتاع وخفيفه ومن بيت المال والنساء والذراري وتركوا بالمدائن من الثياب والأمتعة والآنية والألطاف ما لا تحصى قيمته‏.‏ وكان في بيت المال ثلاثة آلاف ألف ألف ألف مكرّرة ثلاث مرات تكون جملتها ثلاثمائة ألف قنطار من الدنانير‏.‏ وكان رستم عند مسيره إلى القادسية حمل نصفها لنفقات العساكر وأبقى النصف واقتحمت العساكر المدينة يجولون في سككها لا يلقون بها أحداً‏.‏ وأرز سائر الناس القصر الأبيض حتى توثقوا لأنفسهم على الجزية‏.‏ ونزل سعد القصر الأبيض واتخذ الإيوان به مصلَى ولم يغيّر ما فيه من التماثيل‏.‏ ولما دخله قرأ‏:‏ ‏"‏ كَمْ تَرَكوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون ‏"‏ الآية‏.‏ وصلَى فيه صلاة الفتح ثماني ركعات لا يفصلن بينهنّ وأتم الصلاة بنية الإقامة‏.‏ وسرح زهرة بن حيوة في آثار الأعاجم إِلى النهروان وقراها من كل جهة‏.‏ وجعل على الأخماس عمرو بن عمرو بن مُقَرًن وعلى القسم سلمان بن ربيعة الباهلي وجمع ما كان في القصر والإيوان والدور وما نهبه أهل المدائن عند الهزيمة‏.‏ ووجدوا حلية كسرى‏:‏ ثيابه وخرزاته وتاجه ودرعه التي كان يجلس فيها للمباهاة أخذ ذلك من أيدي الهاربين على بغلين وأخذ منهم أيضأ وقر بغل من السيوف وآخر من الدروع والمغافر منسوبة كلها درع هرقل وخاقان ملك الترك وداهر ملك الهند وبهرام جور وسياوخش والنعمان بن المنذر وسيف كسرى وهرْمُزَ وقباذ وفَيْروز وهِرَقْل وخاقان وداهِر وبَهْرام وسِياوخش والنعمان أحضرها القعقاع‏.‏ وخيّره في الأسياف فاختار سيف هِرَقْل وأعطاه دِرْعَ بهرام وبعث إلى عمر سيف كسرى والنعمان وتاج كسري وحليته وثيابه ليراها الناس‏.‏ وقسم سعد الفيء بين المسلمين بعدما خمّسه وكانوا ستين ألفاً فأصاب للفارس إثنا عشر ألفاً وكلهم كان فارساً ليس فيهم راجل‏.‏ ونفل من الأخماس في أهل البلاد وقسم المنازل بين الناس واستدعى العيلات من العتيق فأنزلهم الدور ولم يزالوا بالمدائن حتى تم فتح جلولاء وحلوان وتكريت والموصل‏.‏ واختطت الكوفة فتحولوا إليها‏.‏ وأرسل سعد في الخمس كل شيء يعجب العرب منهم أن يصنع إليهم وحضر إليهم نهار كسرى وهو الغطف وهو بساط طوله ستون ذراعاً في مثلها مقدار مزرعة جريب في أرضه وهي منسوجة بالذهب طرقاً كالأنهار وتماثيل خلالها بصدف الدر والياقوت وهي حافاتها كالأرض المزدرعة والمقبله بالنبات ورقها من الحرير على قضبان الذهب وَزَهْرُهُ حَبًاتُ الذهب والفضَة وثَمَرُهُ الجوهر كانت الأكاسرة يبسطونه في الإيوان في فصل الشتاء عند فقدان الرياحين يشربون عليه فلما قدمت الأخماس على عمر قسمها في الناس ثم قال‏:‏ اشيروا علي في هذا الغطف فاختلفوا وأشاروا على نفسه فاقطعه بينهم فأصاب عليّ قطعة منه باعها بعشرين ألفاً ولم تكن بأجودها‏.‏ وولى عمر سعد بن أبي وقَّاص على الصلاة والحرب فيما غلب عليه وولى حُذَيْفَةَ بن اليمان على سقي الفرات وعثمان بن حنيف على سقي دجلة ولما انتهى الفرس بالهرب إلى جلولاء وافترقت الطرق من هنالك بأهل أذربيجان والباب وأهل الجبال وفارس وقضُوا هنالك خشية الافتراق واجتمعوا على مهران الرازي وخندقوا على أنفسهم وأحاطوا الخندق بجسره الحديد وتقدم يزدجرد إلىِ حلوان وبلغ ذلك سعداً فكاتب عمر بذلك يأمره أن يسرح إلى الفرس بجلولاء هاشماً ابن أخيه عتبة في اثني عشر ألفاً وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو وأن يولّى القعقاع بعد الفتح ما بين السواد والجبل‏.‏ فسار هاشم من المدائن لذلك في وجوه المسلمين وأعلام العرب حتى قدم جلولاء فأحاط بهم وحاصرهم في خنادقهم وزاحفوهم ثمانين يوما ينصرون عليهم في كلها والمدد متصل من هاهنا وهاهنا‏.‏ ثم قاتلوهم آخر الأيام فقتلوا منهم أكثر من ليلة الهرير وأرسل اللّه عليهم ريحاً وظلمة فسقط فرسانهم في الخندق وجعلوه طرقاً مما يليهم ففسد حصنهم وشعر المسلمون بذلك فجاءه القعقاع إلى الخندق فوقف على بابه‏.‏ وشاع في الناس أنه أخذ في الخندق فحمل الناس حملة واحدة انهزم المشركون لها وافترقوا ومرّوا بالجسرة التي تحصنَوا بها فعقرت دوابهم فترجلوا ولم يفلت منهم إِلا القليل‏.‏ يقال‏:‏ إِنه قتل منهم يومئذ مئة ألف واتبعهم القعقاع بالطلب إِلى خانقين وأجفل يزدجرد من حلوان إِلى الريّ واستخلف عليها خشرشوم وجاء القعقاع إِلى حلوان فبرز إِليه خشرشوم وعلى مقدمته الرمي فقتله القعقاع وهرب خشرشوم من ورائه وملك القعقاع حلوان وكتب إلى عمر بالفتح واستأذنه في اتباعهم فأبى وقال‏:‏ وددت أن بين السواد والجبل سداً حصيناً من ريف السواد فقد آثرت سلامة المسلمين على الأنفال وأُحْصِيَت الغنيمة فكانت ثلاثين ألف ألف فقسمها سلمان بن ربيعة‏.‏ يقال إِنه أصاب الفارس تسعة آلاف وتسعة من الدواب وبعثوا بالأخماس إِلى عمر مع زياد ابن أبيه‏.‏ فلما قدم الخمس قال عمر‏:‏ واللّه لا يُجنُّهُ سقف حتى أقسمه فجعله في المسجد وبات عبد الرحمن بن عوف وعبد اللّه بن الأَرقم يحرسانه ولما أصبح جاء في الناس ونظر إلى ياقوتة وجوهرة فبكى‏.‏ فقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا موطن شكر قال‏:‏ واللهّ ما أعطى الله هذا قوماً إلا تحاسدوا وتباغضوا فيلقي الله بأسهم بينهم ومنع عمر من قسمة السواد ما بين حلوان والقادسية فأقره حبساً واشترى جرير بعضه بشاطىء الفرات فرد عمر الشراء‏.‏ ولما رجع هاشم من جلولاء إلى المدائن بلغهم أن أُدَيْنَ بن الهرامون جمع جمعاً وجاء بهم إلى السهل فبعث إليه ضِرَار بن الخَطاب في جيش فلقيهم بماسَبْدَان فهزمهم وأسر أدين فقتله وانتهى في طلبه إلى النهروان وفتح ماسبدان عَنْوَةً وردّ إِليها أهلها ونزل بها فكانت أحد فروج الكوفة وقيل كان فتحها بعد نهاوند واللّه سبحانه أعلم‏.‏ ولاية عتبة بن غزوان على البصرة كان عمر عندما بعث المُثَنَّى إلى الحيرة بعث قَتَبَةَ بن قَتادَةَ السَلوسِيّ إلى البصرة فكان يغير بتلك الناحية‏.‏ ثم استمد عمر فبعث إليه شرَيْحَ بن عامر بن سعد بن بكر فأقبل إلى البصرة ومضى إلى الأهواز ولقيه مسلحة الأعاجم فقتلوه‏.‏ فبعث عمر عتبة بن غزوان والياً على تلك الناحية وكتب إلى العلاء بن الحضرمي أن يمده بعرفَجَةَ بن هَرْثَمَةَ وأمره أن يقيم بالتخم بين أرض العرب وأرض العجم‏.‏ فانتهى إلى حيال الجسر وبلغ صاحب الفرات خبرهم فأقبل في أربعة آلاف وعتبة في خمسمائة والتقوا فقتلوا الأعاجم أجمعين وأسروا صاحب الفرات‏.‏ ثم نزل البصرة في ربيع سنة أربع عشرة وقيل‏:‏ إِن البصرة بصرت سنة ست عشرة بعد جلولاء وتكريت‏.‏ أرسل سعد إليها عتبة فأقام بها شهراً وخرج إليه أهل الأبُلًة وكانت مرفأ للسفن من الصين فهزمهم عتبة واحجرهم في المدينة ورجع إلى عسكره ورعب الفرس فخرجوا عن الأبلة وحملوا ما خف وخلوا المدينة وعبروا النهر ودخلها المسلمون فغنموا ما فيها واقتسموه‏.‏ ثم اختطّ البصرة وبدأ بالمسجد فبناه بالقصب وجمع له أهل دست ميان فلقيهم عتبة فهزم وأخذ مرزبانها أسيراً وأخذ قتادة منطقته فبعث بها إلى عمر‏.‏ وسأل عنهم فقيل له انثالث عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهبَ والفِضَّةَ فرغب الناس في البصرة وأتوها‏.‏ ثم سار عتبة إلى عمر بعد أن بعث مُجاَشِعَ بن مسعود في جيش إِلى الفرات واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلاة إلى قدوم مجاشع وجاء ألف بيكان من عظماء الفرس إلى المسلمين ولقيهم المغيرة بن شُعْبَةَ بالمِرْغَابِ وبينما هم في القتال إِذ لحق بهم النساء وقد اتخذن خُمُرَهُنَّ رايات فانهزم الأعاجم وكتبوا بالفتح إلى عمر فرد عتبة إِلى عمله فمات في طريقه‏.‏ وقيل‏:‏ إِن إمارة عتبة كانت سنة خمس عشرة وقيل ست عشرة فوليها ستة أشهر واستعمل عمر بعده المغيرة بن شعبة سنتين‏.‏ فلما رمي بما رمي به عزله واستعمل أبا موسى وقيل استعمل بعده عتبة أبا سبرة وبعده المغيرة‏.‏ وقعة مرج الروم وفتوح مدائن الشام بعدها لما انهزم الروم بِفَحْلٍ سار أبو عبيدة وخالد إلى حمص واجتمعوا بذي الكلاع في طريقهم وبعث هرقل توذر البطريق للقَائهم فنزلوا جميعاً بمرج الروم وكان توفر بازاء خالد وشمر بطريق آخر بازاء أبي عبيدة وأمسوا مستترين‏.‏ ثم أصبح فلم يجدوا توفر وسار إلى دمشق واتبعه خالد واستقبله يزيد من دمشق فقَاتله وجاءه خالد من خلفه فلم يفلت منهم إِلا القَليل وغنموا ما معهم‏.‏ وقاتل شَثَسٌ أبو عبيدة بعد مسيرة خالد فانهزم الروم وقتلوا واتبعهم أبو عبيدة إلى حمص ومعه خالد فبلغ ذلك هرقل فبعث بطريق حمص إِليها وسار هو في الرها فحاصر أبو عبيدة حمص حتى طلبوا الأمان فصالحهم‏.‏ وكان هرقل يعدهم في حصارهم المدد وأمر أهل الجزيرة بإمدادهم فساروا لذلك‏.‏ وبعث سعد بن أبي وقَّاص العساكر من العراق فحاصروا هيت وقرقيسيا فرجع أهل الجزيرة إلى بلادهم ويئس أهل حمص من المدد فصالحوا على صلح أهل دمشق وأنزل أبو عبيدة فيها السِّمْطَ بن الأسود في بني معاوية من كِندَةَ والأشعث بن قيس في السكون والمقداد في بَلِيّ وغيرهم‏.‏ وولَّى عليهم أبو عبيدة بن الصامت وصار إلى حماة فصالحوه على الجزية عن رؤوسهم والخراج عن أرضهم‏.‏ ثم سار نحو شيزر فصالحوا كذلك ثم إِلى المعرَّة كذلك‏.‏ ويقال معرّة النعمان وهو النعمان بن بشير الأنصاري‏.‏ ثم سار إلى اللاذقية ففتحها عنوة ثم سلمية ثم أرسل أبو عبيدة خالد بن الوليد إِلى قِنسْرين فاعترضه ميناس عظيم الروم بعد هرقل فهزمهم خالد وأثخن فيهم ونازل قنسرين حتى افتتحها عنوة وخرّبها‏.‏ وأدرب إلى هرقل من ناحيته وأدرب عياض بن غَنْم كذلك وأدرب عمر بن مالك من الكوفة إلى قرقيسيا وأدرب عبد الله بن المعتمر من الموصل‏.‏ فارتحل هرقل إلى القُسْطَنْطِينِية من أمدها وأخذ أهل الحصون بين الإسكندرية وطرسوس وشعبها أن ينتفع المسلمون بعمارتها‏.‏ ولما بلغ عمر صنيع خالد قال أمَر خالد نفسه يرحم اللّه أبا بكر هو كان أعلم مني بالرجال‏.‏ وقد كان عزل خالداً والمثنى بن حارثة خشية أن يداخلهما كبر من تعظيم فوكلوا إليه‏.‏ ثم رجع عن رأيه في المثنى عند قيامه بعد أبي عبيد وفي خالد بعد قنسرين فرجع خالد إلى إمارته‏.‏ ولما فرغ أبو عبيدة من قنسرين سار إلى حلب وبلغه أن أهل قِنَسرين غدروا فبعث إليهم السمط الكندِيّ فحاصرهم وفتح وغنم‏.‏ ووصل أبو عبيدة إلى حَاضر حلب وهو موضع قريب منها يجمع أصنافَاَ من العرب فصالحوا على الجزية ثم أسلموا بعد ذلك‏.‏ ثم أتى حلب وكان على مُقًدَمَتِهِ عياض بن غنم الفِهْريِّ فحاصرهم حتى صالحوه على الأمان وأجاز ذلك أبو عبيدة وقيل صولحوا على مقاسمة الدور والكنائس وقيل انتقلوا إلى أنطاكية حتى صالحوا ورجعوا إلى حلب‏.‏ ثم سار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وبها جمع كبير من فلّ قنسرين وغيرهم ولقوه قريباً منها فهزمهم وأحجرهم بالمدينة وحاصرهم حتى صالحوه على الجلاء أو الجزية ورحل عنهم‏.‏ ثم نقضوا فبعث أبو عبيدة إليهم عياض بن عنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول وكانت عظيمة الذكر‏.‏ فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يرتب فيها حامية مرابطة ولا يؤخر عنهم العطاء‏.‏ ثم بلغ أبا عبيدة أن جمعاً بالروم بين معرة مصرين وحلب فسار إليهم فهزمهم وقتل بطارقتهم وأمعن بل وأثخن فيهم وفتح معرّة مِصْريِن على صلح حلب‏.‏ وجالت خيوله فبلغت سَرْمين وتيرى وغلبوا على جميع أرض قنسرين وأنطاكية‏.‏ ثم فتح حلب ثانية وسار يريد قُورس وعلى مقَدّمَتِهِ عياضُ فصالحوه على صلح أنطاكية‏.‏ وبثَّ حيله ففتح تِل نِزار وما يليه‏.‏ ثم فتح مَنْبجَ على يد سَلْمان بن ربيعة الباهِلِيّ‏.‏ ثم بعث عِياضاً إلى دَلوكَ وعَينتاب فصالحهم على مثل منبج واشترط عليهم أن يكونوا عوناً للمسلمين‏.‏ وولَّى أبو عبَيدَةَ على كل ما فتح من الكوَرِ عاملاً وضم إليه جماعة وشحن الثغور المخوفة بالحامية‏.‏ واستولى المسلمون على الشام من هذه الناحية إلى الفرات‏.‏ وعاد أبو عبيدة إلى فلسطين وبعث أبو عبيدة جيشاً مع مَيْسرَة بن مسروق العبْسيّ فسلكوا درب تفليس إلى بلاد الروم فلقي جمعاً للروم ومعهم عرب من غسان وتنوخ وإياد يريدون اللحاق بِهِرَقْل فأوقع بهم واثخن فيهم‏.‏ ولحق به على أنطاكية مالك بن الأشْتَرِ النَخَعِيُ مدداً فرجعوا جميعاً إلى أبي عبيدة‏.‏ وبعث أبو عبيدة جيشاً آخر إلى مَرْعَشَ مع خالد بن الوليد ففتحها على إِجلاء أهلها بالأمان وخرَّبها‏.‏ وبعث جيشاً آخر مع حبيب بن مسلمة إلى حصن الحرث كذلك‏.‏ وفي خلل ذلك فتحت قِيسَارِيَّةُ بعث إليها يزيد بن أبي سفيان أخاه معاوية بأمر عُمَرَ فسار إليها وحاصرهم بعد أن هزمهم‏.‏ وبلغت قتلاهم في الهزائم ثمانين ألفاً وفتحها آخراً وكان علقمة بن مُجَزِّز على غزَة وفيها القبغار من بطاركة الروم‏.‏ وقعة أجنادين وفتح بيسان والأردن وبيت المقدس لما انصرف أبو عبيدة وخالد إِلى حمص بعد واقعة مرج الروم نزل عمرو وشرحبيلُ على أهل بيسان فافتتحها وصالح أهل الأردن واجتمع عسكر الروم بأجنادين وغزة وبيسان وعليهم أرطبون من بطارقة الروم‏.‏ فسار عمرو وشرحبيل إليهم واستخلف على الأردن أبا الأعْوَرِ السَّلَمِي‏.‏ وكان الأرطبون قد أنزل بالرملة جندأ عظيماً من الروم وبيت المقدس كذلك‏.‏ وبعث عمرو عَلْقَمَةَ بن حكيم الفِرَاسِي ومسروق بن العَكِّيِّ لقتال أهلِ بيت المقدس‏.‏ وبعث أبا أيوبٍ المالِكِيّ إلى قتال أهل الرمْلَةِ‏.‏ وكان معَاوِيَةُ محاصراَ لأهل قيسارِيَّةَ فشغل جميعهم عنه‏.‏ ثم زحف عمرو إلى الأرطبون واقتتلوا كيوم اليرموك أو أشد‏.‏ وانهزم أرطبون إلى بيت المقدس وأفرج له المسلمون الذين كانوا يحاصرونها حتى دخل‏.‏ ورجعوا إلى عُمَرَ وقد نزل أجْنادين‏.‏ وقد تقدَم لنا ذكر هذه الواقعة قبل اليرموك على رأي من جعلها قبلها وهذا على قول من جعلها بعدها‏.‏ ولما دخل أرطبون بيت المقدس فتح عمر غزة‏.‏ وقيل كان فتحها في خلافة أبي بكر ثم فتح سبسَطية وفيها قبر يحيى بن زكريا وفتح نابلس على الجزية‏.‏ ثم فتح مدينة لدّ ثم عَمَواس وبيت حِبْرِين ويافا ورفح وسائر مدائن الأردن‏.‏ وبعث إلى الأرطبون فطلب أن يصالح كأهل الشام ويتولى العقد عمر وكتبوا إليه بذلك‏.‏ فسارعن المدينة واستخلف عليها عليّ بن أبي طالب بعد أن عذله في مسيرة فأبى‏.‏ وقد كان واعد أمراء الأجناد هنالك فلقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير فنزل ورماهم بالحجارة وقال‏:‏ اتستقبلوني في هذا الزَيّ وإنما شبعتم منذ سنتين واللّه لو كان على رأس المائتين لاستبدلت بكم‏.‏ قالوا‏:‏ إِنها بلا ثمن وإن علينا السلاح فسكت ودخل الجابية‏.‏ وجاءه أهل بيت المقدس وضم عَمْراً وشرحبيل إليه وقد هرب أرطبون عنهم إِلى مصر فصالحوه على الجزية وفتحوها له وكذلك أهل الرمْلَةِ‏.‏ وولَى عَلْقَمَةَ بن حكيم عليه نصف فِلَسطين وأسكنه الرملة وعَلْقَمَةَ بن مُجْزِرٍ على النصف الآخر وأسكنه بيت المقدس وضم عَمْراً وشرحبيل إِليه فلقياه بالجابِيَةَ‏.‏ وركب عُمَرُ إِلى بيت المقدس فدخلها وكشف عن الصخرة وأمر ببناء المسجد عليها‏.‏ وذلك سنة خمس عشرة وقيل سنة ست عشرة‏.‏ ولحق أرطبون بمصر مع من أبى الصلح من الروم حتى هلك في فتح مصر وقيل‏:‏ إنما لحق بالروم وهلك في بعض الصوائف‏.‏ ثم فرق عمر العطاء ودوَّن الدواوين سنة خمس عشرة ورتّب ذلك على السابقة‏.‏ ولمَا أعطى صَفْوان بن أُميةَ والحَرْثَ بن هِشام وسُهَيْلَ بن عمرو أقل من غيرهم قالوا‏:‏ لا والله لا يكون أحد أكرم منا‏.‏ فقال‏:‏ إِنما أعطيت على سابقة الإسلام لا على الأحساب‏.‏ فقالوا‏:‏ فنعم إِذن وخرجوا إِلى الشام فلم يزالوا مجاهدين حتى أصيبوا‏.‏ ولما وضع عمر الدواوين قال له علي وعبد الرحمن ابدأ بنفسك‏.‏ قال لا‏!‏ بعمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب ورتَّب ذلك على مراتب‏.‏ ففرض خمسة آلاف ثم أربعة ثم ثلاثة ثم ألفين وَخمسمائة ثم ألفين ثم ألفاً واحداً ثم خمسمائة ثم ثلاثمائة ثم مائتين وخمسين ثم مائتين‏.‏ وأعطى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف لكل واحدة وفَضّل عائشة بألفين وجعل النساء على مراتب فلأهل بدر خمسمائة ثم أربعمائة ثم ثلاثمائة ثم مائتين والصبيان مائة مائة والمساكين جرايتين في الشهر‏.‏ ولم يترك في بيت المال شيئاً‏.‏ وسئل في ذلك فأبى وقال‏:‏ هي فتنة لمن بعدي‏.‏ وسأل الصحابة في قوته من بيت المال فأذنوا له فيه وسألوه في الزيادة على لسان حفصة ابتنه متكتمين عنه‏.‏ فغضب وامتنع‏.‏ وسألها عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيشه وملبسه وفراشه فأخبرته بالكفاف من ذلك‏.‏ فقال‏:‏ والله لأضعن الفضول موضعها ولأتبلغن بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقاً وتزود الأول فبلغ المنزل واتبعه الآخر مقتديأ به كذلك ثم جاءه الثالث بعدهما فإن اقتفى طريقهما وزادهما لحق بهما وإلا لم يبلغهما‏.‏ وفتحت في جمادى من هذه السنة تكريت لأن أهل الجزيرة كانوا قد اجتمعوا إلى المرزبان الذي كان بها وهم من الروم وإياد وتغلب والنمر ومعهم المشهارجة ليحموا أرض الجزيرة من ورائهم‏.‏ فسرح إليهم سعد بن أبي وقاص بأمر عمر كاتبه عبد الرحمن بن المعتمر وعلى مقدمته ربعي بن الأفكل‏.‏ وعلى الخيل عرفجة بن هرثمة فحاصروهم أربعين يوماً ودخلوا العرب الذين معهم فكانوا يطلعونهم على أحوال الروم‏.‏ ثم يئس الروم من أمرهم واعتزموا على ركوب السفن في دجلة للنجاة‏.‏ فبعث العرب بذلك إلى المسلمين وسألوهم الأمان فأجابوهم على أن يسلموا فأسلموا وواعدوهم الثبات والتكبير وأن يأخذوا على الروم أبواب البحر مما يلي دجلة ففعلوا‏.‏ ولما سمع الروم التكبير من جهة البحر ظنوا أن المسلمين استداروا من هنالك فخرجوا إلى الناحية التي فيها المسلمون فأخذتهم السيوف من الجهتين‏.‏ ولم يفلت إلا من أسلم من قبائل ربيعة من تغلب والنمر وإياد وقسمت الغنائم فكان للفارس ثلاثة آلاف درهم وللراجل ألف‏.‏ ويقال إن عبد الله بن المعتمر بعث ربعي بن الأفكل بعهد عمر إلى الموصل ونينوى وهما حصنان على دجلة من شرقيها وغربيها‏.‏ فسار في تغلب وإياد والنمر وسقوه إلى الحضين فأجابوا إلى الصلح وصاروا ذمةً‏.‏ وقيل بل الذي فتح الموصل عتبة بن فرقد سنة عشرين وإنه ملك نينوى وهو الشرقي عنوةً‏.‏ وصالحه أهل الموصل وهو الغربي على الجزية وفتح معها جبل الأكراد وجميع أعمال الموصل وقيل إنما بعث عتبة بن فرقد عياض بن غنم عندما فتح الجزيرة على ما نذكره والله أعلم‏.‏ مسير هرقل إلى حمص وفتح الجزيرة وأرمينية كان أهل الجزيرة قد راسلوا هرقل وأغروه بالشام وأن يبعث الجنود إلى حمص وواعدوه المدد‏.‏ وبعثوا الجنود إلى أهل هيت مما يلي العراق‏.‏ فأرسل سعد عمر بن مالك بن خيبر بن مطعم في جند وعلى مقدمته الحرث بن يزيد العامري‏.‏ فسار إلى هيت وحاصرهم فلما رأى اعتصامهم بخندقهم حجر عليهم الحرث بن يزيد وخرج في نصف العسكر وجاء قرقيسيا على غرة فأجابوه إلى الجزية‏.‏ وكتب إلى الحرث أن يخندق على عسكر الجزيرة فبيت حتى سألوا المسالمة والعود إلى بلادهم فتركهم ولحق بعمر بن مالك‏.‏ ولما اعتزم هرقل على قصد حمص وبلغ الخبر أبا عبيدة ضم إليه مسالحة وعسكر بفنائها‏.‏ وأقبل إليه خالد من قنسرين وكتبوا إلى عمر بخبر هرقل فكتب إلى سعد أن يذهب الناس بل أن يندب الناس مع القعقاع بن عمرو ويسرحهم من يومهم فإن أبا عبيدة قد أحيط به‏.‏ وأن يسرح سهيل بن عدي إلى الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين استدعوا الروم إلى حمص‏.‏ وأن يسرح عبد الله بن عتبان إلى نصيبين ثم يقص حران والرها‏.‏ وأن يسرح الوليد بن عقبة إلى عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ‏.‏ وأن يكون عياض بن غنم على أمراء الجزيرة هؤلاء إن كانت حرب‏.‏ فمضى القعقاع من يومه في أربعة آلاف إلى حمص وسار عياض بن غنم وأمراء الجزيرة كل أمير إلى كورته وخرج عمر من المدينة فأتى الجابية يريد حمص مغيثاً لأبي عبيدة ولما سمع أهل الجزيرة خبر الجنود فارقوا هرقل ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ وزحف أبو عبيدة إلى الروم فانهزموا وقدم القعقاع من العراق بعد الوقعة بثلاث‏.‏ وكتبوا إلى عمر بالفتح فكتب إليهم أن أشركوا أهل العراق في الغنيمة‏.‏ وسار عياض بن غنم إلى الجزيرة وبعث سهيل بن عدي إلى الرقة عندما انقبضوا عن هرقل فنهضوا معه إلا إياد بن نزار فإنهم دخلوا أرض الروم‏.‏ ثم بعث عياض بن سهيل وعبد الله يضمهما إليه وسار بالناس إلى حران فأجابوه إلى الجزية‏.‏ ثم سرح سهيلاً وعبد الله إلى الرها فأجابوا إلى الجزية وكمل فتح الجزيرة‏.‏ وكتب أبو عبيدة إلى عمر لما رجع من الجابية وانصرف معه خالد أن يضم إليه عياض بن غنم مكانه ففعل وولى حبيب بن مسلمة على عجم الجزيرة وحربها والوليد بن عقبة على عربها‏.‏ ولما بلغ عمر دخول إياد إلى بلاد الروم كتب إلى هرقل‏:‏ بلغني أن حياً من أحياء العرب تركوا دارنا وأتوا دارك فوالله لتخرجنهم أو لنخرجن النصارى إليك‏.‏ فأخرجهم هرقل وتفرق منهم أربعة آلاف فيما يلي الشام والجزيرة وأبى الوليد بن عقبة أن يقبل من تغلب إلا الإسلام‏.‏ فكتب إليه عمر‏:‏ إنما ذلك في جزيرة العرب التي فيها مكة والمدينة واليمن فدعهم على أن لا ينصروا وليداً ولا يمنعوا أحدا منهم من الإسلام‏.‏ ثم وفدوا إلى عمر في أن يضع عنهم اسم الجزية فجعلها الصدقة مضاعفة‏.‏ ثم عزل الوليد عنهم لسطوته وعزتهم وأمر عليهم فرات بن حيان وهند بن عمرو الجملي‏.‏ وقال ابن اسحاق‏:‏ إن فتح الجزيرة كان سنة تسع عشرة وأن سعداً بعث إليها الجند مع عياض بن غنم وفيهم ابنه عمر وعياض بن غنم ففتح عمر الرها بل ففتح عياض الرها‏.‏ وصالحت حران وافتتح أبو موسى نصيبين وبعث عثمان بن أبي العاص إلى أرمينيا فصالحوه على الخزية‏.‏ ثم كان فتح قيسارية من فلسطين‏.‏ فتكون الجزيرة على هذا من فتوح أهل العراق والأكثر إنها من فتوح أهل الشام وأن أبا عبيدة سير عياض بن غنم إليها‏.‏ وقيل بل استخلفه لما توفي‏.‏ فولاه عمر على حمص وقنسرين والجزيرة فسار إليها سنة ثماني عشرة في خمسة آلاف فانتهت طائفة إلى الرقة فحاصروها حتى صالحوه على الجزية والخراج على الفلاحين‏.‏ ثم سار إلى حران فجهز عليها صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة وسار هو إلى الرها فحاصرها حتى صالحوه‏.‏ ثم رجع إلى حران وصالحهم كذلك ثم فتح سميساط وسروج ورأس كيفا فصالحوه على منبج كذلك ثم آمد ثم ميافارقين ثم كفرتوثا ثم نصيبين ثم ماردين ثم الموصل وفتح أحد حصنيها ثم سار إلى أرزن الروم ففتحها ودخل الحرب إلى بدليس ثم خلاط فصالحوه وانتهى إلى أطراف أرمينية ثم عاد إلى الرقة واستعمل عمر عمير بن سعد الأنصاري ففتح رأس عين وقيل‏:‏ إن عياضاً هو الذي أرسله وقيل إن أبا موسى الأشعري هو الذي افتتح رأس عين بعد وفاة عياض بولاية عمر‏.‏ وقيل إن خالداً حضر فتح الجزيرة مع عياض ودخل الحمام بآمد فأطلى بشيء فيه خمر وقيل لم يسر خالد تحت لواء أحد بعد أبي عبيدة‏.‏ ولما فتح عياض سميساط بعث حبيب بن مسلمة إلى ملطية ففتحها عنوة ثم انتقض أهلها فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب بن مسلمة ففتحها عنوة أيضاً ورتب فيها الجند وولى عليها لما أدرب عياض بن غنم من الجابية‏.‏ فرجع عمر إلى المدينة سنة سبع عشرة وعلى حمص أبو عبيدة وعلى قنسرين خالد بن الوليد من تحته وعلى دمشق يزيد وعلى الأردن معاوية وعلى فلسطين علقمة بن مجزز وعلى السواحل عبد الله بن قيس‏.‏ وشاع في الناس ما أصاب خالد مع عياض بن غنم من الأموال فانتجعه رجال منهم الأشعث فإن كان من ماله فقد أسرف فاعزله واضمم إليك عمله‏.‏ فاستدعاه أبو عبيدة وجمع الناس وجلس على المنبر وسأل اليزيد خالداً فلم يجبه فقام بلال وأنفذ فيه أمر عمر وسأله فقال‏:‏ من مالي فأطلقه وأعاد قلنسوته وعمامته‏.‏ ثم استدعاه عمر فقال له من أين هذا الثراء قال من الأنفال والسهمان وما زاد على ستين ألفاً فهو لك فجمع ماله فزاد عشرين فجعلها في بيت المال ثم استصلحه‏.‏ وفي سنة سبع عشره هذه اعتمر عمر ووسع في المسجد وأقام بمكة عشرين ليلة وهدم على من أبى البيع دورهم لذلك‏.‏ وكانت العمارة في رجب وتولاها مخرمة بن نوفل والأزهر بن عبد عوف وحويطب بن عبد العزى وسعيد بن يربوع‏.‏ واستأذنه أهل المياه أن يبنوا المنازل بين مكة والمدينة فأذن لهم على شرط أن ابن السبيل أحق بالظل والماء‏.‏